أقول: قد يُجاب عن الأول بأنه قد يكون مَن يطلق من العرب الجمعَ على الاثنين رأى أن صيغة المثنَّى جُعِلت للنصّ على الاثنين، فلا يلزم من ذلك المنعُ من إطلاق الجمع على ما يصدق بالاثنين فأكثر كما في الآية، إذ المقصود بإخوة اثنان فأكثر.
ونظيره ما أطبق عليه الفقهاء أنه لو قال: لفلان عندي عبيدٌ، ثم فسَّرهم بثلاثةٍ قُبِل، مع أن "عَبيد" جمع كثرة، وقد خصَّت العرب العشرة فما دونها بصيغ خاصة هي جمع القلة كأَعْبُدٍ، ووافقهم بعض أهل اللغة، ووجَّهوا ذلك بأن جمع القلة إنما جُعِل ليُستَعمل عند إرادة التنصيص على القلة، وجمع الكثرة يصلح للقليل والكثير.
وأوضح منه لفظ "بِضْع" في العدد، فإنه [يَصدُق] بثلاثة، وإن كان قد وضع لثلاثةٍ لفظٌ خاصٌّ. وكذلك "الإنسان" يَصُدق بالصبي، وإن كان قد وُضِع للصبي لفظ خاصّ، وأمثال ذلك.
وعن الثاني: بأن الشعراء الذين حُفِظتْ أشعارهم هم المشاهير، وكانوا يتحرَّون في أشعارهم أن تكون موافقةً لأشهر لغات العرب، ليَعُمَّ حفظُها وتناشدُها، فيتمُّ غرضُهم من الشهرة وبُعد الصيت، ولهذا نجد المحفوظ من شعر شعراء اليمن لا تكاد توجد فيها كلمة لا تعرِفُها مضر.
وعن الثالث: بأننا قد أثبتنا النقل، ودلالته واضحة، ومن نقله من أهل الحديث والتفسير فقد نقل أن العرب تُسمِّي الأخوين إخوة، وذلك كافٍ.
لكن هذا كلّه لا يكفي، لأن غايته إثبات لغة غير مشهورة ولا متبادرة إلى الفهم، بل المتبادر خلافها، فحملُ الآية عليها يحتاج إلى دليل.