وإما أن يكون يوافقهم بعضُ القبائل من غيرهم. وعلى الأول فإنما عدلَ زيدٌ عن "الأنصار"، وقال:"العرب"، إشارةً إلى دفع اعتراض، فإنه لو قال "الأنصار" لقيل له: إن القرآن نزل بلسان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وهو قرشيّ. فيُحتاج إلى دفعه بأن الأنصار من العرب، والقرآن نزل بلغة العرب عامّةً، وإنما اختار منها ما اقتضت الحكمة اختياره.
وأما ما جاء عن بعض الصحابة وغيرهم من أن القرآن نزل بلغة قريش، أو بلغتهم ولغة خزاعة، أو ولغة هوازن ونحو ذلك، فإنما ذلك بالنظر إلى معظمه، فقد جاء عنهم في كلماتٍ كثيرة أنها بلغة اليمن أو بلغة أزد عُمان أو غيرهم، بل وفي كلمات كثيرة أنها بالرومية أو الحبشية أو غيرها (١).
وقد يُدفَع بأوجُهٍ:
الأول: ما احتج به مَن قال: أقلُّ الجمع ثلاثة، وهو أن اللغة خصَّت الاثنين بصيغةٍ غير صيغة الجمع، فيقال هنا: كيف يكون من العرب من يُطلِق الجمع ويريد به اثنين على غير سبيل التجوز، أو كراهية الثقل في نحو {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}، ومبنى لغتهم على الفرق؟
الثاني: أن أئمة اللغة لم ينقلوا عن قبيلة من قبائل العرب أنها تُطلِق الجمع على اثنين مطلقًا، ولا يوجد ذلك في أشعارهم المحفوظة.
الثالث: أن أئمة التفسير قد كان منهم كثير من أئمة العربية، وتكلموا على هذه الكلمة، ولا نعلم أحدًا منهم قال: إن من العرب من يُطلِق الجمع على الاثنين.
(١) جمعها السيوطي في كتابين: "المهذب" و"المتوكلي" وكلاهما مطبوع.