للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعالى، كالزنا حيث لم تَسُغ الدعوى به، فالشهادة به لا تكون إلا حسبةً؛ لأنها غير مسبوقةٍ بدعوى (١) أو طلبٍ من مدَّعٍ، بل شهادة الشاهد احتسابًا، أي طلبًا للثواب، وحميّةً لدين الله تعالى، فلم يؤثِّر فيها رضَى أحدٍ. وغير متمحِّض: كالزنا حيث ادّعاه القاذف، والطلاق، فإن سَبقتِ الشهادةُ الدعوى كان حِسْبة، وإن تأخرتْ وطلبها المدّعي فغير حِسْبة". انتهى.

ثم حكى الحاكم إجابةَ وكيل المدَّعى عليه، وهي تفيد أن المتشاجرَ عليه دُكَّانانِ، أحدهما المغروزُ خشبُه في جدار المدّعي، والآخر المدَّعى كونُه في السبيل. والحاصل أن الحاكم حكى دعوى وإجابةً يَمَلُّها القارئ والسامع، ولم تطَّابقا، ولا بيَّنتا المقصود. ثم حكى بعد ذلك ما أورده المدّعي من الشهود، ولفظ شهادة كلٍّ منهم: "أشهدُ لله تعالى أني أعلم بهذه الساحة المتشاجَر فيها أنها كانت سبيلاً، ولا أدري على كيفَ صارتْ عمارتها".

وهذه العبارة في أداء الشهادة منظورٌ في صحّتها، إذ قد صرَّح العلماء أنه يُشترط لأداء الشهادة لفظ "أشهد أي: أشهد بأن هذا مِلْك فلان ــ مثلًا ــ، كما يُمثِّلون له، ولا يكفي لفظ "أعلم" كما صرَّحوا به.

وكذا ــ فيما يظهر ــ الصيغة التي حكاها الحاكم؛ لأنهم لم يشهدوا بأن هذا كان سبيلاً، وإنما شهدوا بأنهم يعلمون.

ثم العبارة محتملة لكونهم يعلمون ذلك بالمشاهدة، أو بالسماع، والشهادةُ لا تُقبل فيها الألفاظُ المحتملة. وقد قال الشيخ ابن حجر ما لفظه (٢): "ومعظم


(١) في الأصل: "بدعوة"، والتصويب من "البغية".
(٢) "الفتاوى الفقهية الكبرى" (٤/ ٣٤٧).