للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والخلاصة أن العقل القاطع إذا لم يوجد فما بقي إلا الخرص والتخمين، وهو سبيل المشركين، فلا ينبغي لمسلم اقتفاؤهم فيه.

وأما القياس؛ فإنه لا يفيد القطع كما حققه الغزالي والفخر الرازي (١) وغيرهما، ومسألتنا تستدعي الدليل القاطع. بل اختلفت الأمة في القياس أدليلٌ ظنِّيٌّ هو أم ليس بدليلٍ أصلًا؟ ومن قال بدلالته شرط له عدة شرائط، منها: ألَّا يعارض شيئًا من ظواهر الكتاب والسنة، ومنها: عدم الفارق، وقد يخفى الفارق على أكابر النُّظَّار.

وقد قال الله تبارك وتعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ (٧٣) فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: ٧٣ - ٧٤].

وجاء عن بعض الصحابة أنه قال لمن كان ربما توقَّف في الحديث وذكر أقيسة [٨٧] تعارضه: «إذا حدَّثتك عن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم حديثًا فلا تضرب له الأمثال» (٢). وهذا المتوقِّف من الأكابر، وإنما كان يتوقف تَثَبُّتًا لاحتمال غلط الذي أخبره بالحديث أو نحو ذلك، فقد كان إذا لم يظهر له دليل على غلط المخبر يصير إلى الحديث، ولا يبالي بما خالفه، وقد نُقِل عنه من ذلك كثير.


(١) انظر: المستصفى للغزالي ١/ ٣١ والمحصول للرازي ٥/ ١٢٣ - ١٢٤.
(٢) رواه الترمذي في كتاب الطهارة، باب الوضوء مما غيَّرت النار، ١/ ١١٤، ح ٧٩، مطولًا. وابن ماجه في كتاب السنَّة (المقدِّمة)، باب تعظيم حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ١/ ١٠، ح ٢٢، مختصرًا. وفي كتاب الطهارة وسننها، باب الوضوء مما غيَّرت النار، ١/ ١٦٣، ح ٤٨٥، مطوَّلًا.