ومن توهَّم أنَّ نفي وجود الصلاة بدون الفاتحة لا يصحُّ وإن قلنا بأنها ركنٌ، لأنها قد توجد في الخارج بدون الفاتحة وإن كانت باطلة= فقد غفل غفلةً شديدة؛ لأنَّ الصلاة في لسان الشارع إنما تصدُق على الصحيحة [ص ٢١]، وهذا إجماع.
حتى قال الحنفية: إنَّ نهي الشارع عن صلاة مخصوصة يقتضي صحتها؛ لأنها لو كانت لا تصحُّ لما قدر المكلَّف على تحصيلها، فكيف ينهى عنها؟
فقيل لهم: إنما نهى الشارع عن الصورة الظاهرة من الصلاة الباطلة، وهو قادرٌ على تحصيلها. فردُّوه بأنَّ الصلاة في لسان الشارع محمولة على الصحيحة، هذه حقيقتها، فلا يجوز صرفها عنها بغير حجة.
إذا تقرَّر هذا ثبت أنَّ وجود الصورة الباطلة لا يقدح في نفي وجود الصلاة، وهذا واضحٌ جدًّا.
فحديث عبادة صريح في نفي وجود الصلاة بدون قراءة فاتحة الكتاب، وذلك صريح في أنها ركنٌ فيها، لا تصحُّ بدونها.
وهكذا نقول في حديث:"لا صلاة بحضرة الطعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان" بأنه صريح في أنَّ الصلاة لا تصحُّ في هذين الموضعين. وإنما لم يعملوا بهذا الحديث لقيام الإجماع القطعي عندهم على خلافه؛ فقالوا: إنَّ الإجماع يدلُّ على نسخ الحديث، أو على أنَّ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما تكلَّم به كانت هناك قرائن فهم منها السامعون صرف اللفظ عن حقيقته.
ولا يرتاب ذو علم أنَّ الكلمة إذا صُرِفت عن حقيقتها لدليل ثم وقعت تلك الكلمة بعينها في كلام آخر لا يسوغ صرفها عن حقيقتها فيه لغير دليل،