للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسيأتي عن الواحدي (١) قوله: "والعرب تسمِّي تارك الجهر منصتًا، وإن كان يقرأ في نفسه؛ إذا لم يُسمع أحدًا".

وفي "الصحيحين" (٢) عن أبي هريرة قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إذا كبَّر في الصلاة سكت هُنيَّةً قبل أن يقرأ؛ فقلت: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي، أرأيتَ سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: "أقول: اللهم باعدْ بيني وبين خطاياي" الحديث، وهذا لفظ مسلم.

ففيه إطلاق السكوت على الحال التي يتكلَّم فيها سرًّا، وسيأتي إيضاح أنَّ الاستماع والإنصات إنما يكون لما يجهر به؛ فإذا كان المراد بقوله: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ} أي في الصلاة ــ كما عليه أكثر المفسِّرين ــ فالمراد به الصلاة التي يجهر الإمام فيها بالقراءة قطعًا، وسيأتي إيضاح هذا كله إن شاء الله تعالى.

والمقصود هنا أنَّه مع أمر المأموم أن يستمع وينصت لجهر إمامه بالقراءة أمره بأن يذكر الله تعالى في نفسه؛ تضرُّعًا وخيفة ودون الجهر، ويجب حمل هذا الذكر على قراءة الفاتحة؛ لأنَّ غيرها من الأذكار سواء أكان قرآنًا أو غيره لا ينبغي للمأموم [ص ٤٤] حين يسمع جهر إمامه بالقراءة إجماعًا.

فإن ثبت أنَّ الواجب أولًا في القيام كان الجهر والثناء والتمجيد وقراءة ما تيسَّر غير مقيَّد بالفاتحة، وأنَّ الفاتحة إنما وجبت بعد ذلك على احتمال


(١) (ص ٨٦). وكلامه في "البسيط" (٩/ ٥٦٨).
(٢) البخاري (٧٤٤) ومسلم (٥٩٨).