للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تقدَّم في الكلام على حديث المسيء صلاته، وأنَّ الآية نزلت قبل إيجاب الفاتحة بمدَّة= فإنا نقول: الذكر المأمور به في الآية هو ذلك الواجب، ولما نسخ أحلَّت الفاتحة محلَّه. فلما كان مأمورًا به المأموم عند جهر إمامه بالقراءة، فكذلك يكون مأمورًا ببدله وهو الفاتحة. والله أعلم.

ومن الأدلة التي تنصُّ على الجهرية: قال الإمام أحمد (١): ثنا يعقوب ثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني مكحول عن محمود بن الربيع الأنصاري عن عبادة بن الصامت قال: "صلَّى بنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الصبح، فثقلت عليه فيها القراءة؛ فلما انصرف رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من صلاته أقبل علينا بوجهه فقال: "إني لأراكم تقرؤون خلف إمامكم إذا جهر قال: قلنا: أجلْ والله إذن يا رسول الله، إنه لهذًّا؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "لا تفعلوا إلَاّ بأمِّ القرآن؛ فإنه لا صلاة إلَاّ بها" (مسند ج ٥ ص ٣٢٢).

وأخرجه الدارقطني (٢) من طرق عن ابن إسحاق.

وابن إسحاق ثقة، إنما يخشى تدليسه، وقد صرَّح بالسماع. ومكحول إمام؛ ولكن قال البخاري: إنه لم يذكر سماعًا، وهذا من البخاري ــ بناءً على رأيه ــ أنه يشترط للاتصال العلم باللقاء. وقد ردَّ مسلمٌ في مقدِّمة "صحيحه" (٣) هذا القول، وحكى الإجماع على أنه يكفي إمكان اللقاء إذا لم يكن الراوي مدلسًا.


(١) "المسند" (٢٢٧٤٥).
(٢) (١/ ٣١٨ - ٣١٩) بأربعة طرق عن ابن إسحاق، قال عقب أولاها: هذا إسناد حسن.
(٣) (١/ ٢٩ وما بعدها).