للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد بيَّن الأئمة أسماء الذين روى عنهم مكحول ولم يسمع منهم، ولم يذكروا محمودًا؛ وهذا يدلُّك أنَّ مكحولًا إنما كان يروي عمن لم يلقه حيث يعلم الناس أنه لم يلقه، وليس هذا بالتدليس المتعارف (١)؛ إذ ليس فيه إيهام.

والحديث صحَّحه ابن حبان والحاكم (٢) وغيرهما، وتصحيح ابن حبان له مما يدلُّك على تأويل قوله في مكحول: "ربما دلَّس" بنحو ما قلنا، أو على أنه اطلع على سماع مكحول من محمود لهذا الحديث، والله أعلم.

[ص ٤٥] ومنها: ما رواه الدارقطني (٣) وغيره بسند صحيح عن زيد بن واقد عن حرام بن حكيم ومكحول عن نافع بن محمود بن ربيعة (٤) قال نافع: "أبطأ عبادة عن صلاة الصبح؛ فأقام أبو نعيم المؤذِّنُ الصلاة، وكان أبو نعيم أول من أذَّن في بيت المقدس، فصلى بالناس أبو نعيم، وأقبل عبادة وأنا معه، حتى صففنا خلف أبي نعيم، وأبو نعيم يجهر بالقراءة؛ فجعل عبادة يقرأ بأمِّ القرآن، فلما انصرف قلت لعبادة: قد صنعت شيئًا، فلا أدري أسنة هي أم سهو كانت منك؟ قال: وما ذاك؟ قال: سمعتك تقرأ بأم القرآن وأبو نعيم يجهر. قال: أجل، صلَّى بنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بعض الصلوات التي يجهر فيها بالقراءة؛ فالتبست عليه القراءة؛ فلما انصرف أقبل علينا بوجهه؛ فقال: "هل تقرؤون إذا جهرت بالقراءة؟ " فقال بعضنا: إنا لنصنع ذلك، قال: "فلا تفعلوا،


(١) بل هو الإرسال الخفي في اصطلاح المحدثين.
(٢) انظر "صحيح ابن حبان" (١٧٨٥، ١٧٩٢، ١٨٤٨) و"المستدرك" (١/ ٢٣٨).
(٣) (١/ ٣١٩، ٣٢٠).
(٤) في "سنن الدارقطني": "الربيع"، وكلاهما صواب كما سيأتي التنبيه عليه. وانظر "التقريب".