للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال بعد ذلك بأسطر (١): "والجملة على ما يدل عليه كلامهم يحتمل أن تكون من القول المأمور به، ويحتمل أن تكون استئنافًا من جهته تعالى".

أقول: أما "لعلَّ" فقد قال تعالى: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: ٤٤] فقيل: إنها للترجية؛ أي: اذهبا على رجائكما. وقيل: للتعليل. فهكذا يقال في قوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}؛ أي راجين أن تُرحَموا، أو لكي تُرحَموا.

فإن قيل: وهل تُرْجَى الرحمة للكفار بمجرَّد استماعهم وإنصاتهم؟

قلت: يُرجى من استماعهم وإنصاتهم أن يؤمنوا؛ فإذا آمنوا رُحِموا.

وفي الآية إشارة إلى قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصِّلت: ٢٦].

ونظيرها في إحالتهم على القرآن إذا طلبوا آية معجزةً قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت: ٥٠، ٥١].

وفي هذه الآية ذكر الرحمة، وقال أكثر المفسِّرين إنَّ المعنيَّ بقوله {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}: لقومٍ مُوطِّنين أنفسَهم على الإيمان إذا تبيَّن لهم الحق؛ بخلاف المعاندين.


(١) (٩/ ١٥٤).