للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

استمعوا للقرآن وأنصتوا له، راجين أن يهديكم الله تعالى للحق فيرحمكم، أي أنه لا يكفيكم الاستماع والإنصات بدون توطين النفوس على الرضا بالحق إذا تبيَّن، والله أعلم.

ولما علم الله تعالى أن نبيَّه - صلى الله عليه وآله وسلم - قد يفهم مما تقدَّم، ومِن أمْرِ الله تعالى له في آيات كثيرة بالتبليغ أنَّ عليه أن يجهر بالقراءة دائمًا، ويؤكّد هذا عنده - صلى الله عليه وآله وسلم - شدَّةُ حرصه على إيمان قومه= لما علم الله تعالى ذلك [ص ٥٨] نبَّه رسوله على أنه لا يلزمه ذلك؛ فقال سبحانه: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ}، وقوله سبحانه: {وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ}؛ أي: ولا يحمِلْك حرصُك على إيمان قومك واشتغالك بدعوتهم على أن تغفل عن مناجاة ربك وذكره، وتلاوة كتابه، وإن لم يكن هناك من يسمع. ولا يحزنْك إعراضُ الكفار وإصرارهم على كفرهم واستكبارهم عن عبادة ربهم؛ فإنهم لا يضرُّون الله تعالى شيئًا. وقد وكَّل بعبادته من لا يعلم عددَهم غيرُه من جنوده: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [الأعراف: ٢٠٦].

ولا يخفى أنه على هذا التفسير لا يكون في آية الإنصات ما يتعلَّق بقراءة المأموم في الصلاة، والله أعلم.

قال الشارح: (ويشهد لهذا المعنى ــ يعني أنَّ الآية نزلت في الصلاة أو لعمومها شاملة للصلاة ــ ما رواه أحمد ومسلم (١) عن أبي موسى قال: علَّمنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: "إذا قمتم إلى الصلاة فلْيؤمَّكم أحدُكم، وإذا قرأ الإمام


(١) "المسند" (١٩٧٢٣) و"صحيح مسلم" (٤٠٤).