للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والضرب الثاني: التوبيخي؛ وهو يقتضي أنَّ ما بعد أداة الاستفهام واقعٌ، وأنَّ فاعله ملومٌ [ص ٦٨]، قاله ابن هشام في "المغني" (١) وغيره. وهو معلومٌ من تتبُّع موارد الاستفهام الإنكاري في الكتاب والسنة وكلام العرب.

والضرب الأول لا معنى لادعائه هنا؛ فلم يبقَ إلَاّ الضرب الثاني، ولا ريب أنهم لو كانوا مأمورين بتلك القراءة التي أوجبت المنازعة لما استحقُّوا أن يوبّخوا عليها. بل إذا طرأ النسخ حينئذٍ يقول لهم - صلى الله عليه وآله وسلم -: "كنت أمرتكم فلا تفعلوا" أو نحو ذلك؛ كقوله: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها" (٢).

فتبيَّن أنه على تقدير الاستفهام إنكاريًّا يلزم من ذلك أنهم لم يكونوا مأمورين بتلك القراءة.

إذا تقرَّر هذا فهناك احتمالان:

أحدهما: أن يكون المراد بالقراءة في قوله: "هل قرأ" ما يصدق بالفاتحة، ويكونوا لم يؤمروا بقراءة الفاتحة معه إذا جهر أصلًا، أو يكونوا قد أُمِروا أولًا، ثم نُهوا عنها قبل هذه الواقعة.

الثاني: أن يكون المراد بالقراءة غير الفاتحة.

قد يرجَّح الاحتمال الأول بأنَّ ظاهر السؤال الإطلاق، ويرد بأنَّ الصرف عن مثل هذا الظاهر متعيِّنٌ إذا كانت هناك قرينةٌ.

فإن قيل: وما القرينة؟


(١) (١/ ١١، ١٢).
(٢) أخرجه مسلم (١٩٧٧) من حديث بريدة.