ويزيده وضوحًا قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "وأنا أقول مالي أنازع القرآن"؛ فإنَّ هذا تعجُّبٌ؛ كما قاله أهل المعاني وغيرهم في قوله تعالى:{وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ}[النمل: ٢٠].
ولا يخفى أنَّ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يعلم أنَّ القراءة معه تقتضي المنازعة، فلو كان يعلم أنهم مأمورون بالقراءة لعلم أنهم قرأوا، وأن المنازعة حصلت بسبب قراءتهم؛ فكيف يتعجَّب.
فقد بان أنَّ القراءة التي حصلت بها المنازعة وسألهم عنها قراءة لم يكونوا مأمورين بها قبل ذلك.
وقد زعم الشارح أنَّ الاستفهام الأول للإنكار، وقد يقول هو أو غيره في الثاني ــ أعني قوله:{مَا لِيَ} ــ إنه للإنكار أيضًا.
وهذا مدفوع؛ أما في الأول فلأنه إخراج للاستفهام عن حقيقته بدون حجة، ولأنه لو كان إنكاريًّا لما أجابه أحدهم بقوله: نعم، أنا يا رسول الله؛ لأنَّ الاستفهام الإنكاري لا يستدعي الجواب.
وأما الثاني فلأنَّ قوله:"وأنا أقول" يدفع احتمال الإنكار؛ لأنَّ ظاهره: وأنا أقول حال المنازعة في نفسي، وذلك ظاهرٌ في التعجُّب.
وهبْ أنَّ الاستفهامين للإنكار فلا بد من القول بأنهم لم يكونوا مأمورين بتلك القراءة؛ لأنَّ الاستفهام الإنكاري على ضربين.
الأول: الإبطالي، وهو يقتضي أنَّ ما بعد أداة الاستفهام غير واقع، وأنَّ مدَّعيه كاذبٌ.