أقول: ليس هذا اللزوم بأولى من عكسه؛ بل العكس أولى، وهو أنه يلزمه أن يقول في ابن أكيمة مثل قوله في أبي الأحوص، والله أعلم.
وأما الأمر الثاني فالاستناد إليه في التوثيق ضعيف جدًا؛ فإنَّ الضعيف والكذَّاب قد يروي حديثًا ليس بمنكر. فإذا لم يروِ الرجل إلَاّ حديثًا واحدًا، وكان غير منكر؛ فأنَّى يُعلَمُ بذلك أنه ثقة؟
على أنَّ الأفهام تختلف في الحكم بالنُّكْرة، وقد لا يستنكر العالم الحديث؛ لأنه ينزِّله على معنى معروف، فيصحِّحه بناءً على ذلك؛ فيجيء من يتمسَّك بالحديث وينزِّله على معنى آخر.
[ص ٦٧] وإن حكمنا بتوثيق ابن أكيمة فقد علمتَ أنَّ زيادة "فانتهى الناس" إلخ مدرج من قول الزهري؛ فلا يبقى إلَاّ سؤال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أصحابه:"هل قرأ معي أحدٌ منكم آنفًا؟ "، وقول أحدهم: نعم، أنا يا رسول الله، وقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "وأنا أقول مالي أنازع القرآن".
فقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "هل قرأ ... " إلخ، صريح في أنهم لم يكونوا قبل ذلك مأمورين بالقراءة التي سألهم عنها؛ إذ لو كانوا مأمورين لما كان للسؤال وجهٌ؛ لأنه - صلى الله عليه وآله وسلم - يعلم أنهم لا يذرون ما هو واجبٌ عليهم.
ويؤيِّد هذا قوله:"أحدٌ"، فإنه ظاهرٌ أنهم لم يكونوا مأمورين؛ بل ظاهر أنهم كانوا منهيين عن القراءة التي سألهم عنها. ولهذا علم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنهم لا يقرؤون تلك القراءة، وإنما ظنَّ أنَّ بعضهم لم يبلغه النهي أو نسي.
ويؤكِّد ذلك أنه لم يجبه إلَاّ رجلٌ واحدٌ، قال: نعم، أنا يا رسول الله.