للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ص ٧١] كأنَّ هذا الرجل لم يبلغه حديث عبادة أو غفل عنه؛ فأحسَّ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بأنه ينازع في السورة؛ فدلَّه ذلك على أنَّ رجلًا ممن بعده يقرأ معه السورة. كما وقع نظير ذلك في حديث عمران بن حصين في "صحيح مسلم" (١): صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - صلاة الظهر أو العصر؛ فقال: "أيكم قرأ خلفي بسبِّح اسم ربِّك الأعلى؟ "؛ فقال رجلٌ: أنا، ولم أُرِدْ بها إلَاّ الخير، قال: "قد علمتُ أنَّ بعضكم خالجنيها". ولكنه - صلى الله عليه وآله وسلم - في واقعة حديث ابن أكيمة استبعد أن يقرأ معه أحدٌ السورة وهو يجهر بها بعد أن نهاهم عن ذلك في واقعة حديث عبادة؛ فلهذا تعجَّب من المنازعة.

وإنما نصَّ في حديث عمران على عين السورة؛ لأنَّ الصلاة كانت سريَّة، والنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قرأ بسبِّح اسم ربِّك الأعلى سرًّا، ولم يسمعوه، فلو اكتفى بقوله: "أيكم قرأ معي؟ " لم يعلموا المقصود؛ لأنَّ كلًا منهم قرأ بالفاتحة وغيرها؛ فاحتاج أن ينصَّ لهم على نفس السورة التي قرأها، واستدلَّ بالمخالجة على أنَّ بعضهم قرأها معه.

وأما في واقعة ابن أكيمة فكانت الصلاة جهرية؛ قد علموا السورة التي قرأ بها نبي الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد الفاتحة، فاكتفى بقوله: "هل قرأ معي أحدٌ منكم آنفًا"؟ فعلموا أنه لا يسألهم عن الفاتحة لما تقدَّم، وأنه إنما يسألهم عن قراءة السورة التي قرأ بها؛ فأجابه الذي قرأ: نعم، أنا يا رسول الله.

وإنما قلت: إن ذلك القارئ قرأ السورة التي قرأها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عينها؛ لأمرين:


(١) رقم (٣٩٨).