للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أصله أن رجلا أراد أن يقطع بإبله مفازة فأراد أن لا يعشِّيها اتِّكالًا على ما في المفازة من الكلأ (١).

وسيأتي إن شاء الله تعالى ما يتعلق بهذا المعنى في الكلام على بيان شرك العرب الذين بُعِثَ فيهم محمد - صلى الله عليه وسلم -.

[٩٩] فإن قيل: فهلا أغنى الله عزَّ وجلَّ رسله عليهم الصلاة والسلام عن هذه الطريقة بآيات قاطعة؟

فالجواب أن الحجج القاطعة على ضربين:

الضرب الأول: ما لا يستطيع المعاند إنكاره، ولو أنكره لمقته الناس جميعًا ولم تكن هناك أدنى شبهة يجوز أن يعتذر بها عنه، كأن يكون بصيرًا في مكان مكشوف, وحوله أمة من الناس, والشمس وسط السماء ليس دونها سحاب؛ فإنه لا يقدر أن ينكر كون الشمس في ذلك الوقت طالعة على ذلك المكان.

الثاني: ما يستطيع المعاند إنكاره؛ لظنه أنه لا يعدم عذرًا عند الناس, كأن يكون العلم بتلك الحجة متوقفًا على التدبر والتأمل، فيقال: لعل هذا لم يتدبر ولم يتفكر, بل قد يكون الواقع كذلك, أعني أنه لم يتدبر ولم يتفكر، إما لأنه قد أَلِفَ ذلك القول الباطل ووجد عليه آباءه ومشايخه ويصعب عليه أن يتبين بطلانه, فهو يَصُدُّ نَفْسَه عن التدبر والتفكر ويغالطها ويقنعها بأن ما هو عليه هو الحق، وإما لأنه أخذ ما هو عليه تقليدًا عن مُعَظَّم عنده يغلو في اعتقاده فيه، وإما لأنه يتوهم أن ما هو عليه هو الحق، ويخشى أن يوقعه


(١) انظر: نهاية ابن الأثير، مادة (عشا). [المؤلف]. ومجمع الأمثال ٢/ ١٦.