للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ص ٧٩] ويقرب من قولهم: أصغى إليه؛ لأنهم قد قالوا: أنصت للَّهو: إذا مال. ومن تتبَّع موارد هذه اللفظة، وكان له دُربة بالعربية وذوق فيها، لم يشكَّ أنَّ الإنصات هو السكوت لأجل الاستماع.

وأئمة اللغة منهم من أوضح ذلك، ومنهم من أطلق في بعض كلامه تفسير الإنصات بالسكوت، وبيَّن في موضع آخر من كلامه أنَّه السكوت للاستماع. وأهل اللغة كثيرًا ما يفعلون ذلك؛ يطلقون ما هو مقيد اعتمادًا على أنهم قد قيَّدوا في موضع آخر، أو اكتفاءً بأنَّ التقييد مشهور عند من يعرف اللغة، أو إشارةً إلى أنَّ الكلمة قد تُستعمل في ذلك المعنى بدون القيد مجازًا.

ونحن لا ننكر أنَّ الإنصات قد يستعمل في مطلق السكوت مجازًا، ولكن الأصل الحقيقة.

وقال البخاري في "جزء القراءة" (١): "وقال أبو مريم: سمعت ابن مسعود رضي الله عنه يقرأ خلف الإمام. وقال أبو وائل عن ابن مسعود: "أنصِتْ للإمام". قال ابن المبارك: دلَّ أنَّ هذا في الجهر".

فأنت ترى ابن المبارك فهم من الإنصات أنه إنما يكون إذا جهر الإمام. وكلام السلف في ذلك كثير.

وقد جاء الإنصات في موضعين من القرآن؛ الأول: الآية المتقدِّمة. الثاني: قوله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ} [الأحقاف: ٢٩].


(١) (ص ١١٦).