للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وواضح أنَّ معناه في آية الأحقاف متضمِّنٌ للاستماع، وأما في الآية المتقدِّمة فقد قدَّمنا أننا إذا تقيَّدنا بتفسير السلف كان معنى قوله {وَأَنْصِتُوا}: ودَعُوا الجهر بالكلام لكي تستمعوا. وإن نظرنا إلى ظاهر القرآن رجَّحنا ما قاله بعض الخلف؛ فيكون المعنى عليه: واسكُتوا مستمعين.

فإن قيل: فلماذا قال: {وَأَنْصِتُوا} بعد أن قال: {فَاسْتَمِعُوا}؟

قلت: لأنَّ الاستماع لا يلزم منه إخفاء المستمع كلامه أو سكوته، وإن لزم من الكلام وقوع الخلل في الاستماع. وأنت ترى الناس عند حضورهم الخطب والقصص يتكلَّمون وهم يستمعون.

وإذا حملنا الآية على المعنى الثاني فيكون لذكرِ {وَأَنْصِتُوا} بعد {فَاسْتَمِعُوا} نكتةٌ أخرى؛ وهي الإشارة إلى قولهم الذي حكاه الله تعالى عنهم بقوله: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت: ٢٦].

فقوله: {فَاسْتَمِعُوا} في مقابل قولهم: {لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ}.

وقوله: {وَأَنْصِتُوا} في مقابل قولهم: {وَالْغَوْا فِيهِ}.

ولما كان معنى كلامهم: {وَالْغَوْا فِيهِ} لئلا تسمعوه ولا يسمعه غيركم= وجب أن يكون معنى: {وَأَنْصِتُوا}: واسكتوا لتسمعوه أنتم وغيركم.

[ص ٨١] (١) ولو فُرِض أن معنى الإنصات هو السكوت مطلقًا، وأنَّ تلك


(١) ضرب المؤلف رحمه الله على صفحة (٨٠) كلها.