للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نحو ذلك، كعادته.

فإن قلت: فإنَّ الحافظ ابن حجر ذكر الحسن وابن أبي عروبة في الطبقة الثانية من طبقات المدلِّسين، وقد ترجم هذه الطبقة بقوله (١): "من احتمل الأئمة تدليسه وأخرجوا له في الصحيح، لإمامته وقلة تدليسه في جنب ما روى؛ كالثوري، أو كان لا يدلِّس إلَاّ عن ثقة؛ كابن عيينة". وعلى هذا فتُحتَمل عنعنة الحسن، وتُصحَّح، ويحتجُّ بها، ولا يلتفت إلى أنه كان يدلِّس، وكذا ابن أبي عروبة.

قلت: هذا مشكلٌ جدًّا، لا يتمشَّى على [ص ٨٤] القواعد. وقد نصَّ الشافعي في "الرسالة" على أنَّ التدليس يثبت بمرَّة، وعبارته (٢): "ومن عرفناه دلَّس مرَّة فقد أبان لنا عورته في روايته، وليست تلك العورة بكذب فنردَّ بها حديثه، ولا النصيحة في الصدق؛ فنقبل منه ما قبلنا من أهل النصيحة في الصدق، فقلنا: لا نقبل من مدلِّسٍ حديثًا، حتى يقول فيه: حدثني أو سمعت".

وجلالة الرجل وإمامته إذا عُرِف بالتدليس لا تنافي أن يدلِّس رجلًا يُحْسِن الظنَّ به، وغيرُه يعرف أنه مجروح، وتُقوِّي التهمة بالتدليس؛ لأنَّ مما يبعث عليه أن يكون الشيخ غير مرضي عند الناس. ولو كانت جلالة الرجل وإمامته توجب اغتفار تدليسه لأوجبت اغتفار إرساله، وليس هذا مذهب أهل الحديث.


(١) (ص ٦٢).
(٢) "الرسالة" (ص ٣٧٩).