بها قط، وإما أن يكونوا أُمروا بها اولًا ثم نُهوا عنها قبل هذا الحديث؛ فارجع إلى تلك الأوجه، وتدبَّرها جيدًا.
ثم إنك تعلم أنَّ أحاديث وجوب الفاتحة عامة تتناول المأموم وإن جهر الإمام، وقد ثبت ذلك نصًّا بحديث عبادة وشواهده.
فحديث ابن أكيمة لا يخلو أن يكون قبلها أو بعدها.
فإن كان قبلها فهو منسوخ بها أو محمول عليها، وانقطع النزاع.
وإن كان بعدها ــ كما اختاره الشارح ــ فالأوجه الثلاثة المتقدمة توجب أحد أمرين:
إما أن يكون المراد بالقراءة التي سألهم عنها يصدق بالفاتحة، ويكون قد سبقه ناسخٌ لوجوبها؛ حتى صحَّ ذلك الاستفهام والجواب والتعجُّب.
وإما ان يكون المراد قراءة غير الفاتحة؛ وكأنَّ ذلك الرجل لم يبلغه حديث عبادة في النهي عن قراءة غير أم القرآن وراء الإمام إذا جهر، وتكون القرينة علمهم أنَّ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يعلم أن الفاتحة واجبة عليهم، وأنهم لا يدعونها كلُّهم، فيعلمون أنه لا يقول لهم: هل قرأ معي أحدٌ منكم آنفًا؛ ويريد ما يصدق بالفاتحة، وأنه لا يتعجَّب من المنازعة التي تحصل بقراءتهم الفاتحة إن كانت تحصل بها. فهذه قرينة واضحة؛ تدلُّهم أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - إنما أراد قراءة غير الفاتحة؛ فتدبَّر هذا الكلام جيدًا.
وإذ قد انحصر الواقع في هذين الاحتمالين فما بقي علينا إلَاّ أن ننظر أيهما أرجح، سائلين الله تعالى التوفيق.
قد يرجح الأول بأنَّ فيه إبقاء لفظ «قرأ» على إطلاقه.