فإنَّ قوله «معي» يشعر بأنَّ المراد: قرأ عين ما قرأته، ويؤيِّد ذلك ما تقدَّم في الكلام على حديث عمران.
وإنما صرَّح في حديث عمران بقوله:«هل قرأ أحدٌ منكم بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}» لأنه - صلى الله عليه وآله وسلم - قرأها سرًّا، لأن الصلاة كانت ظهرًا، فلو قال: هل [قرأ] أحدٌ منكم معي؟ لما عُلِم المقصود.
وأما في حديث أبي هريرة فإنَّ قراءته - صلى الله عليه وآله وسلم - كانت جهرًا، فاكتفى بقوله: هل قرأ أحدٌ منكم معي؛ لأنهم يعلمون ما قرأ، بأبي هو أمي.
ينجبر ذلك بما عُرِف من مذهبه، وفي «صحيح مسلم»: « ... فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام؟ قال: اقرأ بها في نفسك ... ».
وفي روايةٍ للحميدي على شرط مسلمٍ:« ... قلت يا أبا هريرة: إني أسمع قراءة الإمام، فقال: يا فارسي، أو يا ابن الفارسي، اقرأ بها في نفسك».
ومذهبه في ذلك مشهور.
ومذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنَّ فتوى الراوي بخلاف ما روى يمنع الاستدلال بما روى.
وأما الشافعي وأئمة الحديث فالعبرة عندهم بما روى، ولكنهم لا ينكرون أنَّ مخالفته لمرويِّه تُورِث فيه شبهةً.
[الأوراق بين: ٩٠ ــ ٩١]
فإذا انضمَّ إلى رأيه دليل آخر لم يمتنعوا من ردِّ روايته حينئذٍ أو تأويلها.
والقرائن التي قدَّمناها يحصل بها أو بدونها غلبة الظن باتحاد القصة، ومثل ذلك كافٍ في الدلالة عند أهل العلم.