فإن أصرَّ على الاستدلال بذلك الدليل لزمه حملُ الحديث على ما دون الفاتحة، وإن ترك الاستدلال لزمه نسخ حديث أبي هريرة أو تأويله أو سقوطه لرجحان معارضه، (أشقرُ إن تقدّم تُنحَرْ، وإن تأخر تُعقَرْ).
ثم قال:(وأما ما قيل إنَّ أبا هريرة أفتى بقراءة الفاتحة خلف الإمام ففيه أن لا حجة في قول أحد بمقابلة الحديث المرفوع، ولا يكون عمل الراوي خلاف روايته دليلًا على ضعفه ... ).
أقول: لم يعارض ذلك القائل الحديث بقول الصحابي، وإنما استدلَّ بمذهب أبي هريرة على ضعف الحديث أو تأويله أو نسخه.
ومثل هذا الاستدلال صحيح عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى.
وأما الشافعي والمحدِّثون فالعبرة عندهم بما روى دون ما رأى، ولكنهم لا ينكرون أنَّ فتوى الراوي بخلاف روايته يورث الرواية وهنًا ما؛ فإذا انضمَّ إليه موهنٌ آخر قوي الوهَن، إلى أن تسقط الرواية أو تؤوَّل، وقد تقدَّم هذا المعنى.
ثم قال:(فثبت بحديث أبي هريرة النهي عن قراءة الفاتحة خلف الإمام، وهو دليل على نسخ ركنيتها).
أقول: قد علمت جوابه، وقد أسلفنا في أواخر الكلام على المسألة الأولى أنه لو فُرِض ثبوت نهي المأموم عن قراءة الفاتحة لما دلَّ ذلك على نسخ ركنيتها مطلقًا؛ كمطلق القراءة عند الحنفية.
[ص ٣١] ثم قال: (وعلى هذا إجماع، قال ابن قدامة في المغني: وأيضًا فإنه إجماع، قال أحمد: ما سمعنا أحدًا من أهل الإسلام ... ).