وهذا أمر معقول معمول به عند العقلاء، فالحكومات تعلن في أوقات الخوف منع الخروج ليلًا، ويعترف العقلاء بأن ذلك وفق المصلحة، ولا يمنعهم من ذلك احتمال أن يكون رجل قد ترك أطفاله جياعًا، وذهب يلتمس لهم طعامًا، فلم يظفر بالطعام حتى جنَّ عليه الليل وهو في بيت بعض معارفه، فيمنعه حكم الحكومة من الرجوع إلى بيته، وفي ذلك هلاك أطفاله. وقد يعم المنع الرجال والنساء، وتكون امرأة مرضع قد خرجت فجنَّ عليها الليل في بيت بعض معارفها، فيمنعها الحكم من الرجوع إلى بيتها، فيموت طفلها جوعًا.
وتعلن الحكومات في أوقات الخوف: أن من رآه الشرطة في الطرق ليلًا ينذرونه، فإن ارتابوا به ضربوه بالرصاص، فقد يصادف أن يكون رجل ضعيف مسالم، لكنه أصمُّ، ولم يعلم بالإعلان، فخرج يلتمس قوتًا لنفسه أو لأطفاله، فصاح عليه الشرطة، فلم يسمع لصممه. وأمثال هذا كثير.
بل في القوانين الفطرية ما هو بهذا المعنى، فالمطر ضروري لحياة العالم، وقد يهدم بيت العجوز، ويفسد بضاعة التاجر، ويقتل طفل المسافر، وأشباه ذلك.
لكننا قد قدَّمنا أن القوانين الشرعية يَجْبُر واضعها سبحانه وتعالى ما قد ينشأ عنها من خلل، فيقضي ويقدر ما يتم به العدل، وهو سبحانه المحيط بكل شيء علمًا وقدرةً، {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس ٨٢ - ٨٣].