[ص ١٥/ ٣] وهذا كما تقرر في الشريعة أن قصر الصلاة لا يحل لمجرد المشقة بدون سفر. فتدبر!
فإن قيل: المقصود هو العدل، وهذا الحكم لا يفي به، فإن من كانت نيته التجارة، ولكنه آثر القرض لحاجة المستقرض حالًا هو في نفس الأمر مستحقّ للتعويض عما فاته من الربح، ومن كانت نيته الكنز ولكنه باع نساءً، أو أسلم طمعًا في الربح من هذه الجهة، لم يكن مستحقًّا للتعويض.
قلت: أما المقرِض؛ فإن لم يشترط زيادة فلا إشكال، فإنه قد رضي عوضًا عن ربحه الذي كان يرجوه بما حصل له من فوائد القرض التي تقدمت، ومنها الأجر، وصنع المعروف إلى المستقرض.
وإن اشترط الزيادة فإن كان قد علم بالحكم فحرمانه من الزيادة عقوبة له على مخالفة الشريعة، مع أنها لم تَحْتِمْ عليه أن يقرض، وإن كان لم يعلم فسيأتي جوابه.
وأما البائع نسيئةً، والمعطي سلمًا؛ فإن ما يناله من ربح يكون عوضًا عما يفوته من الربح في القرض، كما أن المقرض بزيادة جاهلًا بالحكم يحرم من الزيادة حكمًا، ويكون ذلك في مقابل ما يربحه إذا باع نَساءً أو أسلم، ولم يكن يريد التجارة.
فإن قلت: قد يكون الإنسان يُقرِض وهو يريد التجارة، ولا يُنسِئ ولا يُسلِم، وقد يكون يُنسِئ ويُسلِم مع أنه كان ينوي الكنز، ولا يُقرِض أبدًا، وقد يُقرِض مشرقيًّا، ويُنسِئ مغربيًّا، فكيف هذا؟
قلت: قد قرَّرنا سابقًا أن القوانين لابد أن تُناط بأمر ظاهر منضبط، ثم لا يضرها تخلُّفُ الحكمة في بعض الصور النادرة.