وفوق ذلك فالشارع قد عدل كما اقتضته الحكمة عن النية، وناط الحكم بصفة العوض كما علمت، فصار هو المعتبر كما تقرر في الأصول.
فالقصر في السفر الطويل حكمته المشقة، ولكن لعدم انضباطها نِيط الحكم بالسفر الطويل، فاستمر الحكم حتى في حق من سافر سفرَ رفاهيةٍ لا مشقةَ فيه.
وبهذا عُلم الجواب عما قد يتوهم أن المقرض بشرط زيادة إذا كان يعلم من نفسه أنه كان يريد أن يتجر بالدراهم، فربما يحل له أخذ الزيادة فيما بينه وبين الله، وإن لم يحل له في الحكم الظاهر.
فإن قيل: إذا صار المدار على صفة العوض، فلماذا تُبطِلون الحيل، كالعِينة وغيرها؟
فالجواب: أننا لم نُبطِلها لدلالتها على نية الكنز، وإنما أبطلناها لأنها فرار من حكم الشرع، واحتيال عليه، وعدول بالمعاملة عن مجراها الطبيعي بتكلف صورة مصطنعة، كل ذلك لهوى النفس، ولو أبيحت لتحرَّاها كل من يريد الربا، فيبقى الحكم الشرعي معطَّلًا عن غايته، معزولًا عن فائدته.
فأما النية وحدها فلم نعتدَّ بها، فإننا نقول فيمن كان عنده سلعة يريد أن يبيعها بعشرة نقدًا، ويكتنز العشرة: إنه لو وجد راغبًا في تلك السعلة بخمسة عشر نساءً، فباعها منه، لم يكن ذلك ربًا ولا حرامًا.
ونقول فيمن كانت عنده عشرة دراهم يريد اكتنازها، ثم جاءه راغب في السلم، فأسلمها إليه في [ ... ] عن السعر الموجود حال العقد وعند الأجل، لم يكن ذلك ربًا ولا حرامًا.