للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

في كتاب الحيل من صحيحه (١): "باب ما يُنهى عنه من الخداع في البيوع (٢)، وقال أيوب: يخادعون الله كأنما يخادعون آدميًّا، لو أَتَوا الأمرَ عيانًا كان أهون عليَّ".

قال في "الفتح": "قال الكرماني: قوله: "عيانًا" أي لو أعلنوا بأخذ الزائد على الثمن معاينة بلا تدليس لكان أسهل؛ لأنه ما جعل الدين آلة للخداع. انتهى. ومن ثَمَّ كان سالكُ المكر والخديعة حتى يفعل المعصية أبغضَ عند الناس ممن يتظاهر بها، وفي قلوبهم أوضعَ، وهم عنه أشدُّ نفرةً". "فتح الباري" (ج ١٢ ص ٢٧٣) (٣).

أقول: والباعث على هذه المعاملة قد يكون كفرًا، وقد يكون محاربةً لله عز وجل فوق محاربته بأصل الربا، وقد يكون جهلًا، ولا يَغُرنَّك ما جازف به بعضهم فقال: "إن هذه المعاملة محمودة؛ لأنها فرار من الربا الذي حرَّمه الله إلى البيع الذي أحلَّه"، فإنها مغالطةٌ محضةٌ؛ لأن صورة البيع التي يأتي بها المتعاينان غير مقصودة لهما قصدًا صحيحًا، وإنما هو قصد محرم، وهو المخادعة لله عز وجل، والاحتيال عليه، والعناد لشرعه.

هذا، وقد حرَّم الله تعالى أكل أموال الناس بالباطل إلا أن تكون تجارةً عن تراضٍ، وليس هذه بتجارةٍ، فإن الآخذ لم يشترِ السلعة ليبيعها بربحٍ كما هو دأب التاجر، وقد تقدم بيان المعنى الذي أُحِلَّ لأجله التغابن في التجارة، وليس موجودًا ههنا.


(١) (١٢/ ٣٣٦) مع الفتح.
(٢) في الأصل: "العيوب"، والتصويب من البخاري.
(٣) (١٢/ ٣٣٦) ط. السلفية.