للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

للعينة صور، وقد عدّ الحنفية منها أن تطلب من رجل أن يُقرِضك، فيقول لك: بل أبيعك هذه السلعة بنسيئة، وخذها أنت وبعها في السوق بنقد، فيأخذها ويبيعها في السوق.

ونقلوا عن أبي يوسف أنه قال: "لا يُكره هذا البيع؛ لأنه فعله كثير من الصحابة، وحمدوا على ذلك، ولم يعدُّوه من الربا، حتى لو باع كاغذةً بألف يجوز، ولا يكره" (١).

[ص ١٨] أقول: لا بد من تفصيل؛ فإذا كان ثمن السلعة التي أعطاه عشرة دراهم نقدًا، واثني عشر درهمًا نسيئةً، فإن أعطاه إياها بعشرةٍ نسيئةً فهذا هو الذي يمكن أن يكون محمودًا؛ لأنه كأنه أقرضه.

وإن أعطاه إياها باثني عشر ففيه نظر، وقد يقال: إذا كان محققًا أنه لو لم يعطه تلك السلعة باثني عشر درهمًا إلى أجل لطلبها منه آخر بذلك الثمن إلى مثل ذلك الأجل، فلا يظهر إثم المعطي، ولكن يبقى النظر في الآخذ، فقد يقال: إنه إنما اشتراها بنية أن يأخذ عشرة نقدًا، وتكون في ذمته اثنا عشر، فإن أثِمَ الآخذ رجع الإثم على المعطي أيضًا إذا علم بنية الآخذ، وأما إذا أعطاه إياها بثلاثة عشر مثلًا فالحرمة ظاهرة.

هذا، وما حكاه أبو يوسف عن الصحابة لم يُنقَل متصلًا، إلا ما رُوي عن زيد بن أرقم على ما فيه، والقصة نفسها تدل أنه لم يقصد العِينة، وقد ذكرها الباجي في "شرح الموطأ" (٢)، وفيها: "قالت: فإني بعتُه عبدًا إلى العطاء


(١) انظر "حاشية ابن عابدين" (٥/ ٣٢٥، ٣٢٦).
(٢) "المنتقى" (٤/ ١٦٦).