للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ووجه ذلك أن الخيار من أصله منافٍ للبيع، وإنما أجيز لدليل خاص، وذلك الدليل الخاص لا يتناول أن يكون الخيار لورثته من بعده، فهذا يقتضي بطلان الشرط وصحة البيع، ولكن الشرط الذي تضمنه بيع العهدة ليس خيارًا، وإنما المقصود به الحيلة على الربا، وهو باطل عندهم كما تقدم.

وتحقيقه أن خيار الشرط موضوع لمن يكون قصده حال البيع أن يخرج السلعة من ملكه بتاتًا، ولكنه يخاف أن يبدو له فيندم، وبيع العهدة ليس من هذا قطعًا، وإنما المقصود منه أن تكون السلعة رهنًا بيد من يُسمى مشتريًا، ليفكَّه من يُسمى بائعًا هو أو ورثته متى أرادوا.

هذه حقيقته، ولهذا يطلقون عليه لفظ "الرهن"، فيقول الرجل: أريد أن أرهن أرضي، ويقول الآخر: يريد فلان أن يرهن عندي (١) أرضه، ويقولان بعد العقد: رهنت أرضي عند فلان، وهذه الأرض عندي رهن، كما تقدم.

وعلى كل حال فقد تبين بطلان بيع العهدة في مذهب أحمد وحرمته، وأنه ربا. والله أعلم.

وأما السند الثالث: وهو الإلزام بالمواطأة قبل العقد، بناءً على وجوب الوفاء بالوعد في مذهب مالك، وفسره في "القلائد" (٢) بعد ذلك بقوله: "مذهبنا أيضًا أن الوفاء بالوعد مكرمة متأكدة، وأن الإخلاف به مع القدرة وعدم الضرر مكروه جدًّا، وعند قوم يجب الوفاء، وقالت المالكية: يجب إن ارتبط بسبب، كقوله: أعطِني كذا، أو احلِفْ لا تسبَّني وأنا أعطيك كذا. وبيع


(١) في الأصل: "عني".
(٢) (١/ ٣٢٠).