للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنه قول بعض الفلاسفة: إن في العالم موجودات يُسَمُّونها العقول العليا, وإنها تدبر الكون بدون علم من الله عزَّ وجلَّ؛ لزعمهم أنه سبحانه لا يعلم الجزئيات. وفي صحة هذا عنهم مقال، ففي كلام ابن رشد الحفيد آخِرَ كتابه تهافت التهافت إنكارُ كون هذا اعتقادَ الفلاسفة (١).

ومنه ما يُحْكى عن الصابئة، قال الشهرستاني في كتابه الملل والنحل: «فإن عندهم أن الإبداع الخاصَّ بالرب تعالى هو اختراع الروحانيات ثم تفويض أمور العالم العلوي إليها، والفعل الخاص بالروحانيات هو تحريك الهياكل (الكواكب) ثم تفويض العالم السفلي إليها, كمن يبني معملة وينصب أركانًا للعمل من الفاعل والمادَّة والآلة والصورة وتفويض العمل إلى التلامذة» (٢).

فأما الأولان فلم يقل بهما أحد عن الأمم التي أخبر الله عزَّ وجلَّ بأنها أشركت في الألوهيَّة وبعث إليها رُسُلَه بـ «لا إله إلا الله»، وقد مرَّ شيء من بيان ذلك. [١٢٣] وسيأتي إيضاحه مفصّلًا إن شاء الله تعالى.

وأما الثالث ــ أعني ما حكي عن الصابئة ــ فالحكايات عنهم مضطربة، وقد حكى الشهرستاني عنهم في موضع آخر ما يخالف ما تقدَّم أو يُبَيِّنه.

قال في أول الكلام على الصابئة: «ومذهب هؤلاء أن للعالم صانعًا فاطرًا حكيمًا مقدَّسًا عن سمات الحدثان, والواجب علينا معرفة العجز عن الوصول إلى جلاله, وإنما يتقرب إليه بالمتوسطات المقربين لديه، وهم الروحانيون المطهَّرون المقدَّسون جوهرًا وفعلًا وحالة ... وقد جُبِلوا على


(١) انظر: تهافت التهافت ص ١١٠ (ط الحلبي).
(٢) الملل والنحل ٢/ ١٢٨. [المؤلف]