الطهارة وفُطِرُوا على التقديس والتسبيح لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ... فنحن نتقرَّب إليهم ونتوكَّلُ عليهم، فَهُمْ أربابنا وآلهتنا ووسائلنا ... حتى يحصل مناسبةٌ ما بيننا وبين الروحانيات، فنسأل حاجاتنا منهم ونَعرض أحوالنا عليهم ونصبو في جميع أمورنا إليهم، فيشفعون لنا إلى خالقنا وخالقهم ورازقنا ورازقهم ...
وأما الفعل فقالوا: الروحانيات هم الأسباب المتوسطون في الاختراع والإيجاد وتصريف الأمور من حالٍ إلى حالٍ، وتوجيه المخلوقات من مبدأ إلى كمال، يستمدون القوة من الحضرة الإلهية القدسية، ويُفِيْضون الفيض على [١٢٤] الموجودات السفلية ... وأما الحالة فأحوال الروحانيات ... ثم طعامهم وشرابهم التسبيح والتقديس والتمجيد والتهليل وأنسهم بذكر الله تعالى وطاعته، فمِن قائمٍ ومِن راكع ومن ساجد ... {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[التحريم: ٦]» (١).
فيظهر مما ذكر هنا أن القوم لم يدَّعوا للروحانيين تدبيرًا مستقلًّا.
وبعدُ، فقد علمت شهادة الله عزَّ وجلَّ على المشركين بأنهم يعترفون بأن الله عزَّ وجلَّ هو الذي يدبِّر الأمر والذي يرزقهم من السماء والأرض وغير ذلك، وقد أخبر الله تعالى عن كثير من الأمم أنهم اتخذوا الأصنام آلهة، واتخذوا الشياطين آلهة، واتخذوا الهوى إلهًا، واتخذوا الأحبار والرهبان أربابًا وآلهة, مع أنهم لم يعتقدوا لشيء من ذلك التدبير المستقل. وسيأتي إيضاح ذلك مفصَّلًا إن شاء الله تعالى.
(١) الملل والنحل ٢/ ٩٥ - ٩٨ بهامش الفصل في الملل والنحل لابن حزم.