ومع هذا ففي كونه نظَرَ إلى المعنى الذي قدمناه نظرٌ لوجهين:
الأول: أنه يمنع بيع (١) البر بالملح نساءً، وهكذا البر بشيءٍ آخر مما يكون فيه إصلاحٌ للطعام، كالأُدم والأَبزار، كالفلفل والكمُّون، مع أن الملح لا يغني غناء البر، والفلفل لا يغني غناء البر.
الثاني: أنه يجيز بيع الشيء بما يغني غناءه نساءً في غير الذهب والفضة والأقوات المدَّخَرة ومُصلِحاتها.
وقد استشكل المحقق الشاطبي المالكي ذلك، فقال بعد أن ذكر ربا القرآن:"وإذا كان كذلك، وكان المنع فيه إنما هو من أجل كونه زيادةً على غير عوض، ألحقت السنةُ به كلَّ ما فيه زيادة بذلك المعنى".
ثم ذكر حديث عبادة، ثم قال:"ثم زاد على ذلك بيع النَّساء إذا اختلفت الأصناف، وعدَّه من الربا ... وذلك لأن بيع هذا الجنس بمثله في الجنس من باب بدل الشيء بنفسه لتقارب المنافع فيما يراد منها، فالزيادة على ذلك من باب إعطاء عوض على غير شيء، وهو ممنوع ... ويبقى النظر لِمَ جاز مثل هذا في غير النقدين والمطعومات ولم يجز فيهما؟ محل نظر يخفى وجهه على المجتهدين، وهذا من أخفى الأمور التي لم يتضح معناها إلى اليوم ... ". "الموافقات"(ج ٤ ص ٢٢ - ٢٣).
وقوله:"بيع هذا الجنس بمثله في الجنس" يريد به نحو بيع الفضة بالذهب، والبر بالتمر، كما يرشد إليه السياق. فأما إذا اتحد الجنس، فإن أبا حنيفة رحمه الله يحرم النَّساء في ذلك مطلقًا، وهكذا مالك، إلا أنه يشترط