للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأرى أن قوله: «ولا ربا فيه» جملة حالية، والمعنى: وهو من جنسها بشرط أن يكون الجنس لا ربا فيه. أو ربما يكون هذا النقل في غير محلِّه، وتكون هذه المسألة في العوض الذي لم يُشرط على ما تقدم.

ومما يدل على بطلان الهبة بشرط عوضٍ أقلَّ وأكثرَ من جنسِها والجنس ربوي: إرشاده [ص ٣]- صلى الله عليه وسلم - من أراد أن يُعطي آصُعًا من تمرٍ رديء بصاعٍ من تمرٍ جيد، إلى أن يبيع تمرَه بالدراهم ثم يشتري بالدراهم تمرًا جيدًا. والحديث في «الصحيحين» وغيرهما (١).

ولو كانت الهبة بشرط العوض مُسقِطة للربا لأرشده إليها؛ لأنها أيسرُ من أن يذهبَ فيلتمس من يشتري منه تمرَه بدراهم، ثم يذهب بدراهمه فيشتري بها تمرًا جيدًا.

هذا، وفي المثال السابق مبادلة مرغوب بمرغوب؛ لأن الطالب راغبٌ في التمر الحاضر لحاجته، والمعطي راغب في التمر المؤجّل لجودته.

وكذلك ما ذكروه من خصائص القرض لا يُوجَد شيء منها في المثال السابق، فليس بإعارة؛ لأن الإعارة كما في كتب الحنفية (٢) «تمليك المنافع مجَّانًا»، قالوا: «وشرطها قابلية المستعار للانتفاع، وخلوُّها عن شرط العوض لأنها تصير إجارة». والإجارة من المعاوضات اتفاقًا، وصرَّح الحنفية بأنها بيعٌ للمنفعة، وأن الأجرة ثمنٌ للمنفعة، وأجازها بعضهم بلفظ البيع ومنعه آخرون [ص ٤] بحجة أنه لا يصح بيع المجهول.


(١) أخرجه البخاري (٢٢٠١، ٢٢٠٢) ومسلم (١٥٩٣) عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة.
(٢) انظر «الدر المختار» (٨/ ٣٨٢، ٣٨٣) بحاشيته «قرة عيون الأخيار».