للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تبرعٌ ابتداءً استحسان فقط.

أقول: والاستحسان مختلفٌ في حجيته، وقد فُسِّر في الأصول عدةَ تفاسير يقوى على بعضها ويضعف أو يبطُل على بعضها. وكأنه ههنا هو ما يقع في نفس العالم من استشعارِ فرقٍ بين قولِ القائل: بعتُك هذا الثوبَ بعشرة دراهم، وقولِه: وهبتُك هذا الثوبَ على أن تعطيني عشرةَ دراهم.

وفيه أن هذا الاستشعار إنما هو من تخييلات الألفاظ، وأما المعنى فهو على البيع كما اعترضوا به، وفوق ذلك فالاستحسان مخالف للقياس، وما عُدِلَ به عن سَننِ القياس لا يُقاس عليه كما تقرر في الأصول، فلا يصح قياسُ القرض على الهبة.

على أن هناك فرقًا، وهو أن لفظ الهبة صريحٌ في التبرع، وليس لفظ القرض كذلك، وإنما نزل القرض المطلق منزلةَ التبرع لأنه في المعنى كالعارية، فأما القرض بشرطِ زيادةٍ فقد تضافر فيه اللفظ والمعنى على عدم التبرع.

ومع هذا فالذي ظهر لي من كتب الحنفية أنه لو قال: وهبتُ لك هذا الدرهم على أن تعطيني هذا الخاتم الفضّي ــ ووزنه أكثر من درهم أو أقل ــ لم يصحَّ ذلك؛ لأن هذه المعاملة وإن كانت عندهم تبرعًا ابتداءً فهي بيع انتهاءً.

وأما ما في «القرة» (١) عند الكلام على العوض المشروط: «في الشُّرنبلالية عن البرجندي أنه يصح العوض وهو أقلُّ منها وهو من جنسها، ولا ربا فيه».


(١) (٨/ ٤٨٧).