للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فسمَّى الشافعي اتفاقَهما على الإمهال بشرط الزيادة في الدين بيعًا، والإمهال عنده قرضٌ أو كالقرض، لجمعه بينهما في عدم لزوم الأجل، فإنه يرى أنه لو أقرضه إلى أجلٍ لا يلزم المقرِضَ الوفاءُ بالأجل، بل له المطالبة قبله، وكذلك لو حلَّ الدينُ فجدَّد الدائن أجلاً آخر لا يلزمه الوفاء به. قال في كتاب «اختلاف العراقيين»: «قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا كان للرجل على الرجل مالٌ حالٌّ من سلفٍ أو من بيع أو أيّ وجهٍ كان، فأَنظَره صاحب المال بالمال إلى مدةٍ من المدد، كان له أن يرجع في النظرة متى شاء ... ». «الأم» (ج ٧ ص ٩٢) (١).

وقد توهَّم صاحب الاستفتاء أن قول الشافعي: «كان ذلك فسخًا للبيع» يريد به العقد الأول، في نحو أن يبيع الرجل ثوبًا بعشرة دراهم إلى أجل، ثم عند حلول الأجل يتفقان على الإمهال والزيادة في الدين. فتوهَّم أن مراد الشافعي بقوله: «كان ذلك فسخًا للبيع» هو بيع الثوب، وراح يُدندِن على هذا، وهذه عبارته: «والحجة القوية على أن المراد في كلام الذين ذكروا في تفسير ربا الجاهلية لفظ الدين مطلقًا هو الثمن المؤجل: هي أن شُرَّاح قولهم قد فسَّروه به. قال البيهقي: قال الشافعي: وكان من ربا الجاهلية .... ، ظهر من كلام الشافعي أمرانِ: الأول أن ربا الجاهلية كان في البيع. والثاني أن المراد برأس المال الذي ورد في القرآن هو المال الذي جُعِل في ابتداء البيع، وكذلك المراد من حقٍّ إلى أجلٍ هو الثمن المؤجل».

أقول: أما الأمر الأول فكأن صاحب الاستفتاء لم يتدبر، فإن الشافعي


(١) (٨/ ٢٣٠) ط. دار الوفاء.