أن هذا قياس في مقابل النصّ، فهو فاسد الاعتبار. على أن بين الموضعين فرقًا سنوضِّحه في فصل القياس إن شاء الله تعالى. على أننا نشير إليه هنا فنقول: قد أومأ القرآن إلى أن العلة في حرمة الربا الذي نصّ عليه هو ظلم المربي لغريمه، قال عزَّ وجلَّ:{لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ}. فإذا لم يكن هناك شرط، وأبى المستقرض إلا أن يزيد فزاد، فليس بمظلوم. وأما بيع الورق بالورق نقدًا فالزيادة فيه ليست بظلم، ولهذا حلَّت الزيادة من جهة الجودة والصنعة، فجاز أن يُباع صاع تمرٍ قيمتُه درهم بصاع تمر قيمته عشر دراهم، وأن يباع بالدينار خاتمٌ وزنُه دينار وفيه صنعة تُقوَّم بدنانير.
وإنما مُنِعت الزيادة في القدر لعلة أخرى، كما تقدم في القسم الأول، وتلك العلة لا توجد في الزيادة في قضاء القرض، والأحكام تدور مع عللها.
هذا، وقد قال صاحب الاستفتاء في حاشية (ص ٢٣) رقم (٢): «لا شك أن الربا كان شائعًا في العرب، لكن الكلام في تعيينه، ولم يظهر عن الآثار المنقولة عن التابعين أنه كان البيع أو الدين».
ثم قال في الحاشية رقم (٤) من الصفحة نفسها: «لا إنكار أن ربا الجاهلية كان في الديون، كما يدل عليه بعض روايات التابعين، لكن المراد من الديون في كلامهم ديون البيع إذا ابتاعوا نسيئةً، فما ثبت في وقتهم من الثمن المؤجل هو الدَّين ... ».
أقول: سيأتي البحث في ما ادعاه من اختصاص الدين بدين البيع، والمقصود هنا أنه قد سلَّم أنّ الزيادة على دين البيع ربًا من ربا الجاهلية. وقد