للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال في (صفحة ١٨): «ذهب الجمهور إلى جواز ما كان بدون شرط في العقد لما دلَّت عليه الأحاديث الصحيحة والحسان المحتج بها بإعطاء الزيادة في ديون البيع والقرض». ثم ذكر حديث الصحيحين (١) وغيرهما في قضاء النبي - صلى الله عليه وسلم - جابرًا ما تأخر في ذمته من قيمة الجمل، وزيادته قيراطًا، وفي رواية: «فأرجح في الميزان».

فنقول: قد سلّمتَ أن الزيادة في دين البيع ربًا من ربا الجاهلية، ثم أثبتَّ بأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - زاد في دين البيع، وليس بيدك جواب إلّا أن الزيادة كانت بغير شرط، وكانت بطيب نفس، فإذْ لم يلزم من جواز ذلك هنا أن لا يكون ربًا إذا شُرِطت، لم يلزم من جوازها بطيب نفس وبغير شرط في القرض أن لا يكون فيه ربًا إذا شُرِطتْ (٢).

فإن قال: إنما تكون الزيادة في قضاء دين البيع ربًا إذا كانت في مقابل أجلٍ جديد كما وردت به الآثار، والأحاديث في الزيادة في القضاء عند حلول الأجل الأول. فعلى هذا فأنا ألتزم أن الزيادة عقب الأجل الجديد ربًا مطلقًا.

فالجواب أن قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «خيركم أحسنكم قضاءً» مطلق لم يقيده بالأجل الأول، ولا نعلم أحدًا من أهل العلم فرَّق هذه التفرقة. ولا يظهر وجهٌ للفرق، بل الظاهر أنها إذا حَسُنَت الزيادة عقب الأجل الأول فلَأن تحسُنَ عقب الثاني أولى، لأنها إنما حسنت لأجل الشكر كما يُومئ إليه


(١) البخاري (٢٣٠٩، ٢٠٩٧) ومسلم (٧١٥/ ١١١) من حديث جابر.
(٢) كتب المؤلف بعدها: «ملحق»، ووجدتُه في آخر الدفتر (ص ٤٢).