بآية المواريث مع وضوح دلالتها على نسخ آية الوصية بقوله:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ}، فأشعرَ بأن هذه وصية من الله تحلُّ محلَّ ما كنتم أُمِرتم به من الوصية. ثم قال:{آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}[النساء: ١١]، فبيَّن أن ما كانوا أُمِروا به من الوصية لا يتم به العدل لجهلهم، فأقام مقامَ ذلك وصيةً منه بعلمه وحكمته، وقال بعد ذلك:{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ}[النساء: ١٢]، فشرط في وصيتهم أن لا يضارّ وصية منه، وقد بيَّن وصيته قبل ذلك بالمواريث. وفي الآيات دلائل أخرى على هذا المعنى.
فغفل أكثرهم عنها، واقتصروا في الاحتجاج على نسخ الآية بحديث «لا وصية لوارث»، مؤيدين له بالإجماع، مع أن في الإجماع هنا نظرًا، فإن الهدوية من أئمة أهل البيت الزيدية باليمن يجيزون الوصية للوارث. بخلاف القرض المشروط فيه الزيادة، فلا مخالف في حرمته أصلًا، والعوام يعلمون حرمته، بخلاف منع الوصية لوارث فلا يعلمونها. وحديث الوصية لوارث مخصوص بما إذا لم يُجِزْ بقيةُ الورثة.
وأما احتجاجهم بالآثار فإنما هو من باب الاحتجاج بالإجماع، كأنهم يقولون: قد قال هؤلاء كذا ولا مخالفَ لهم.
وقوله:«ويؤيده أيضًا عدم ورود النقل عن واحدٍ من الأئمة بأن هذا النفع هو ربًا منصوص».