أقول: قد ثبت عن جماعة من الصحابة والتابعين وتابعيهم وبعض الأئمة الأربعة وغيرهم أنه ربًا، ولم يُنقَل خلافُ ذلك عن أحد. ونُقِل عن جماعة من الصحابة والتابعين وتابعيهم وبقية الأئمة الأربعة وغيرهم أنه حرام، ولم ينقل عن أحد منهم أنه قال: ليس بربًا. وصحَّ عن جماعة من كبار العلماء بعدهم أنه ربًا منصوص، وزعم بعضهم أنه مقيسٌ، فلما تدبَّرنا الكتاب والسنة علمنا أنه منصوص، وليس في ذلك ردٌّ على من أطلق أنه ربًا أو أنه حرام، لأنهم لم يقولوا: منصوص، ولا قالوا: غير منصوص. وإنما فيه ردٌّ على من زعم أنه مقيس، ولا ضيرَ في ذلك.
على أنه الأمة لو اجتمعت على أنه حرام ولكن لم يجدوا له دليلًا من الكتاب والسنة، فقام عالم متأخر فاهتدى إلى دليل بيِّنٍ من الكتاب والسنة= لما كان ذلك مِن خرق الإجماع؛ لِما نُصَّ عليه في الأصول أنه لا مانع من إحداثِ دليل أو تعليل. وإنما الخرق المحظور هو مخالفة الأمةِ أجمعَ في حكم من الأحكام، [ق ١٨] كما اتفقت الأمة علماؤها وعامتها على أن الزيادة المشروطة في القرض حرام، وقال جماعة من الصحابة وغيرهم ــ والعامة معهم إلى اليوم ــ: هو ربا، وقال جماعة ــ والعامةُ معهم إلى اليوم ــ: هو من الربا المنصوص في كتاب الله عز وجل؛ فقام صاحب الاستفتاء يقول: كلّا، بل هو مكروه ويجوز للحاجة إليه= فهذا هو خرق الإجماع، بل إنكارُ ما عُلِم من الدين بالضرورة، والله المستعان.