للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأما الأول فمسلَّم، ولكنه قول صحابي قد وافقه غيرُه من الصحابة، ولا يُعلَم لهم مخالف. ومثل ذلك تقوم به الحجة، وهو عند قوم إجماع.

وأما الثاني فمقصوده أن الأمة اتفقت على جواز قبول الهدية بعد القضاء. وعن هذا جوابان:

الأول: أن هذا خاص برواية بُريد، وهي مرجوحة كما علمت. وأما رواية سعيد فهي ظاهرة في الهدية قبل القضاء، وهي حرام باتفاق الأمة، وإنما أجازها بعض العلماء إذا تبيَّن أنها بريئة عن الربا، كما إذا كانت بين رجلين صداقة، وجرت عادة أحدهما بالإهداء إلى الآخر، ثم اتفق أنه استقرض منه قرضًا، ثم قبل القضاء أهدى إليه كما كان يُهدي إليه سابقًا. والأثر ظاهر فيما عدا هذه الصورة بدليل قوله: «إنك بأرضٍ الربا فيه فاشٍ».

الجواب الثاني: أن من أحلَّ الهدية عند القضاء أو بعده إنما ذهب [ق ٢١] إلى أن التهمة منتفية، وعلى هذا فإذا جرت عادة المستقرض بالإهداء إلى من يُقرضه كانت التهمة باقيةً، ولاسيما إذا كان متَّهمًا، وكأنه إنما يُهدِي إليه تمهيدًا لأن يستقرض منه مرةً أخرى.

وقد قال مالك (١) رحمه الله: «لا بأس بأن يَقْبِضَ من أسلف شيئًا من الذهب أو الورِق أو الطعام أو الحيوان ممن أسلفَه ذلك أفضلَ مما أسلفه، إذا لم يكن ذلك على شرطٍ منهما أو وَأْيٍ (٢) أو عادةٍ، فإن كان ذلك على شرط أو وأي أو عادة فذلك مكروه، ولا خير فيه ... فإن كان ذلك على طيب


(١) في «الموطأ» (٢/ ٦٨١).
(٢) الوأي: المواعدة.