للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [الأحقاف: ٢٧ - ٢٨].

قال الراغب وغيره (١): القربان الذي يتقرَّب بطاعته إلى المَلِك يستوي فيه الواحد والجمع.

واعلم أن برهان التمانع وإن سبق تقريره على وجهٍ لا يظهر منه إبطال تمكن الملائكة من الشفاعة بدون إذن, فالحق أنه يدل على ذلك، وتقرير الدلالة أن يقال: قد ثبت ببرهان التمانع أن الملائكة لا يعملون شيئًا بغير أمر الله تعالى، فلا يخلو أن يكون ذلك لعجزهم بأن لا تكون لهم قدرة ذاتية ولا قدرة مودَعة، وإنما يُقْدِرُهم الله تعالى على ما يأمرهم به، أو يكون للعصمة التامة بأن تكون لهم قدرة أودعها الله تعالى فيهم بحيث يمكنهم أن يعملوا ولكنهم لحفظ الله تعالى إياهم وإجلالهم لربهم ومحبتهم له وخوفهم منه لا يعملون شيئًا إلا بأمره، وأَ يًّا ما كان من الاحتمالين فيلزم مثلُ ذلك في القول.

فإن قيل: قد يجوز أن يمنعهم ربهم عزَّ وجلَّ من الفعل إلا بأمره, لئلَّا يترتب على فعلهم فساد الكون كما ثبت ببرهان التمانع، ويأذن لهم في [١٣٩] القول إذنًا مطلقًا إذ لا يترتب عليه الفساد.

فأقول: أفيقبل الله تعالى شفاعتهم حتمًا أم إذا شاء ورضي؟ ولا سبيل إلى الأول وإلّا لَزِمَ فساد الكون؛ إذ لا فرق بين أن يكونوا مدبِّرين باختيارهم بالفعل أو بالتحكُّم على ربهم, كما أنه لا فرق بين أن يكون في البلدة رؤساء متعددون غير كاملين في العلم والعدل والحكمة, كلُّ واحد منهم يحكم فيها برأيه، وأن يكون في البلدة ملك واحد عالم عادل حكيم هو الذي يحكم


(١) المفردات: ٦٦٤، تفسير القرطبي ١٨/ ٢١٨.