للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولكن حوله مقربون غير كاملين في العلم والعدل والحكمة يتحكَّمون عليه في تدبير البلدة وهو يوافق كلًّا منهم على هواه، بل إن هذا الفعل ينفي عن الملك نفسه صفتي العدل والحكمة.

وأما الثاني ــ أعني: أن يكونوا مأذونًا لهم في القول إذنًا مطلقًا والله عزَّ وجلَّ يقبل شفاعتهم إذا شاء ويردُّها إذا شاء ــ فهَبْ أنه لا برهان على بطلان هذا، فإنه لا برهان على أنه الواقع، ومجرد احتمال أنه الواقع لا يصلح مسوِّغًا لاتخاذهم آلهة من دون الله تعالى، بل لو فُرِضَ ثبوت أنه الواقع فإنه لا يكفي مُسوِّغًا لاتخاذهم آلهة، والفرق بين تعظيم المقربين من ملوك الدنيا ليشفعوا إلى الملوك وبين اتخاذ الملائكة آلهة سيأتي إن شاء الله تعالى.

على أننا نقول: قد ثبت ببرهان التمانع أن الملائكة مربوبون والله عزَّ وجلَّ ربهم, [١٤٠] ومنصب الربوبية يقتضي ألا يكون للمربوب شيء من الاختيار، وإنما خولف هذا في الجن والإنس في حياتهم الدنيا لأنهم في دور ابتلاء واختبار ولغير ذلك مما يُعْلَم بالتأمل، وفي المحشر لأنهم لما أعيدوا كما كانوا في الحياة الدنيا أعيد لهم ضرب من الاختيار، وفي الجنة لأنها دار كرامة محضة تقتضي إطلاقهم من كل قيد, ونحوُه ما جاء في أرواح الشهداء أنها في أجواف طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت (١) , وإكرامها بهذا الضرب من الاختيار لا يستلزم منحها الاختيار المطلق.

فأما الملائكة فهم باقون على الأصل.


(١) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة, باب بيان أن أرواح الشهداء في الجنة ... , ٦/ ٣٨, ح ١٨٨٧, من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.