للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دونها من إثبات الحكمة في بعض الجزئيات. {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الرعد: ٣٣].

واعلم أن هذا الاشتباه ناشئ عن الجهل بحكمة الله عز وجل في الخلق والتكليف، وقد بحثتُ عنها في موضع آخر، وأكتفي هنا بالإشارة إليه، فأقول مستعينًا بالله عز وجل: إن كمال جوده سبحانه اقتضى أن يجود بالكمال إلى الحد الممكن، فخلق الجن والإنس صالحين لاكتساب الكمال. وأقرب كمالٍ يُعدُّ كمالًا للمخلوق هو ما كان باكتسابه باختياره، مع عناء ومشقة. فجعل الله سبحانه خلقه وأمره على الحال الموافقة لذلك.

ثم أمرهم سبحانه بكل ما هو كمال لهم، ونهاهم عن كل ما ينافي الكمال. وامتثال أمره ونهيه هو طاعته، وطاعته هي عبادته، فعبادته هي الكمال الذي خلقوا له. قال الله تبارك وتعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦].

ولم يجعل الله سبحانه حجج الحق بغاية الظهور؛ لأنها لو كانت كذلك لكانت معرفتها سهلة، ولكان الخلق كالمجبورين على قبولها، ألا ترى أن ألدَّ الخصوم إذا اتفق أن تقام عليه حجة بغاية الظهور لم يسعه إلا التسليم. ومثل هذا التسليم لا يُعدُّ فضيلة. وكذلك معرفة ما لا صعوبة في معرفته البتة. والمطلوب من الخلق أن يعرفوا الحق معرفةً تكون كمالًا لهم.

فمن الحجج ما هو في نفسه على الحال الموصوفة من عدم سهولة معرفته، وعدم كونه بغاية الظهور.

ومنها ما ليس في نفسه كذلك، ولكن الله تبارك وتعالى قدر معه شبهات