للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجن, فلذلك ارتكب ما ارتكبه, على ما أفصح عنه قوله تعالى: {كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف: ٥٠] " (١).

فأما دخوله في الأمر بالسجود فلأن أمر الله تعالى لما وقع للملائكة وهو معهم دخل في عموم الخطاب، وقوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ}؛ فالخطاب موجَّه إليهم, والأمر لهم ولمن كان معهم, كما في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: ١]، فالخطاب موجَّه إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، والأمر له ولأمته.

وأما استثناء اللَّعين من الملائكة فكالحمار يُسْتَثْنَى من القوم، تقول: جاء القوم إلا حمارًا، ومنه قول الله تعالى: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} [النساء: ١٥٧].

ويجوز أن يكون الاستثناء متصلًا على أن لفظ الملائكة تناول إبليس تبعًا, كما تقول: جاءت بنو تميم إلا المواليَ، تريد بقولك (بنو تميم) ما هو أعمُّ مِنْ التميميِّ صَلِيبة (٢) والتميميِّ بالولاء.

وقال تعالى: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: ١٢].

وقد قال تعالى مخاطبًا الجنَّ والإنس: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (١٥) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا


(١) تفسير أبي السعود ١/ ٦٣.
(٢) أي: خالص النسب عريقه، وفي الأصل بتقديم الباء على الياء، سبق قلم.