فقوله تعالى:{كَانَ مِنَ الْجِنِّ} نصٌّ على أنه لم يكن من الملائكة، وَزَعْمُ أن من الملائكة طائفة يقال لهم: جن، وهم غير الجن المعروفين, دعوى لا دليل عليها.
والاستدلال بقوله تعالى:{بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ}[سبأ: ٤١] ساقطٌ، بل المراد الجنُّ المعروفون كما تفصح به (بل)؛ لأنها تقتضي نفي المسؤول عنه وهو ما في قوله تعالى:{أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ}[سبأ: ٤٠] , فالمعنى حينئذٍ: كلَاّ، لم يكونوا يعبدوننا، بل كانوا يعبدون الجن. وسيأتي توجيه نَفْيِهم عبادة المشركين لهم.
وكذلك الاستدلال بقوله تعالى:{وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا}[الصافات: ١٥٨] ليس بشيءٍ، بل المراد الجنُّ المعروفون كما يأتي إيضاحه إن شاء الله تعالى.
وقوله تعالى:{فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} يؤيد أن المراد الجن المعروفون؛ فإن الفاء للسببية، [١٤٧] يريد ــ والله أعلم ــ فبسبب كونه من الجن فَسَقَ، أي: لأنه لو كان من الملائكة لما تأتَّى منه الفسق.