للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد أخبر الله عز وجل عن آدم أنه ظنّ صِدقَ إبليس لما قاسمه بالله، وكذلك ظن يعقوب صدق بنيه في قولهم: {وَنَحْفَظُ أَخَانَا} [يوسف: ٦٥]، وكذَّبهم في خبرهم عما جرى لهم من أخذِ أخيهم بتهمة السرقة، فقال: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا} [يوسف: ٨٣]، وظن موسى أن أخاه قصَّر، فأخذ برأسه يجرُّه إليه، في نظائر لذلك.

وكان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ربما سها في الصلاة وهو يظن أنه لم يَسْهُ، فصلى مرة خمسًا (١)، ومعنى ذلك أنه عند قيامه للخامسة كان يظن أنها الرابعة.

وسلَّم مرة من ركعتين في رباعية الحضر، ومعنى ذلك أنه ظن أن قد أتمَّ أربعًا، فأما قوله لما سُئل أقُصِرَت الصلاة أم سهوتَ يا رسول الله؟ : "كل ذلك لم يكن" (٢)؛ فهو يتضمن خبرين:

أحدهما عن أمر ديني، وهو صدقٌ قطعًا، وهو كون الصلاة لم تُقصَر.

والثاني عن أمر دنيوي، وهو كونه لم ينْسَ. ومراده بالنظر إلى هذا أنه يظن أنه لم ينس، بمعونة القرينة، وهي أن هناك جمعًا كثيرًا يغلب عليهم التيقظ لأعمال الصلاة، فإن كان قد نسي فإنهم يعلمون أنه إنما نفى النسيان بالنظر إلى ظنه، فيرجع ذلك إلى الخبر بأنه يظن أنه لم ينس.

ومن ذلك: خبر تأبير النخل، وهو في "صحيح مسلم" من حديث طلحة (٣)،


(١) أخرجه البخاري (١٢٢٦) ومسلم (٥٧٢) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(٢) أخرجه مسلم (٥٧٣) من حديث أبي هريرة بهذا اللفظ. وعند البخاري (٨٤٢ ومواضع أخرى): "لم أنسَ ولم تُقْصَر".
(٣) رقم (٢٣٦١).