للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وشبهتُه إلى أن كثرة العدد لو كانت هي المؤثرة لتعين العدد المؤثر، والأمر بخلاف ذلك، فإنه قد يحصل العلم بخبر الواحد أو الاثنين أو الثلاثة، ولا يحصل بخبر مئة ألف أو أزيد. كما لو أخبر مليون جندي من الألمان بعد هزيمتهم بأن زعيمهم هتلر مات.

[ص ٣٠] فالمدار إذًا إنما هو على ما يحتفُّ بالخبر من القرائن.

وأقول: الخبر تكون معه قرائن تساعده، وقرائن تخالفه، فعدد التواتر هو الذي يحصل بخبرهم العلم مع فَقْدِ القرائن الموافقة والمخالفة أو تكافُئِها، وإنما يعسُر تعيينه لأنه لا يخلو الخبر عن قرائن من الجانبين، ويعسر العلم بتكافئها.

هذا، والمدار على حصول العلم، فسِيَّانِ: كان حصوله بكثرة العدد مع عدم القرائن المخالفة أو مع تكافُؤِ القرائن [من] الجانبين، أو كان حصوله بمعونة القرائن. ولا حرج في تسمية ما حصل به العلم متواترًا، وإن شككنا في حصوله بالوجه الأول أو الثاني.

وقد شكَّك بعضهم في حصول العلم بالمتواتر، قال: لأن كثرة العدد قد لا تفيد إذا اقترن بالخبر قرائن تخالفه، فيمكن أن يكون مع الخبر قرائن تخالفه ولكنها خفية، فعلى هذا يتوهم سامعه حصول العلم به.

ويتحقق ذلك بأن تفرض أن ألف رجل تواطؤوا سرًّا على خبر، ثم بالغوا في إخفاء ما يُوقِع التهمة بتواطُئِهم، وتفرقوا. فإنه إذا فُرِض أن أحدهم أخبر، ثم جاء الثاني وكأنه لا يعرف الأول ولا يعلم بخبره فأخبره بمثله، وهكذا، فقد يتوهم بعض السامعين حصول العلم، وقد تلوحُ لبعضهم قرينة على احتمال التواطؤ، فلا يكاد يحصل له الظن فضلًا عن العلم.