للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والجواب: أن النفس إذا خُلِّيتْ وفطرتها لا يخفى عليها موضع احتمال التواطؤ، ولو على بعدٍ، فلا تجزم حتى يجتمع لها من القرائن ما يبين أن احتمال التواطؤ مستحيل.

بلى، لا ننكر أن من الناس من يدعي التواتر في خبر وليس كذلك، وإنما يكذب على نفسه في دعوى حصول العلم، أو يغالطها في ذلك، والله المستعان.

واعلم أن تواتر الخبر قد يكون مع اتفاق العدد على جميع العوارض، كأن يخبر كل منهم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - خطب الناس يوم النحر سنة عشر بمنى في وقت كذا، فقال كيت وكيت. وقد يذكر بعضهم سماع الحديث في زمان ومكان، ويذكر غيره سماعه في زمان أو مكان آخر.

وهذا كله تواتر؛ إذ المدار على أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال ذلك. اللهم إلا أن يكون للزمان أو للمكان اختصاص، كأن يقول بعضهم: "وقف بمكان كذا من عرفة فقال: هذا الموقف"، ويقول غيره: "وقف بمكان كذا ــ ويذكر مكانًا آخر ــ وقال: هذا الموقف"، أو نحو ذلك.

واعلم أن اختلاف الألفاظ والمعنى واحد لا يقدح في التواتر، وكأنهم قالوا: ذكر كلامًا هذا معناه.

وهناك ما يسمى "التواتر المعنوي"، وذلك كأن يروي أحدهم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: "من زنى بعد ما أحصن فعليه الرجم" (١)، ويروي آخر أن ماعزًا


(١) لم أجد الحديث بهذا اللفظ، وقد أخرج البخاري (٦٨٧٨) ومسلم (١٦٧٦) من حديث ابن مسعود بلفظ: "لا يحل دم امرئ يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني ... ". وأخرج أحمد (٤٥٢) والنسائي (٧/ ١٠٣) من حديث عثمان بن عفان بنحوه فيه: " ... رجل زنى بعد إحصانه فعليه الرجم ... ".