اختلف العلماء في تفسير هذه الآية, فالقول المنصور أن (ما) في {وَمَا أُنْزِلَ} موصولة عطف على السحر من عطف الخاصِّ على العامِّ أو على (ما) الأولى في قوله: {مَا تَتْلُو}، و {هَارُوتَ وَمَارُوتَ} مَلَكَان أذن الله تبارك وتعالى لهما في تعليم السحر بعد أن يقولا: {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ}.
قالوا: وتعليم السِّحر وتعلُّمُه ليس كفرًا ولا حرامًا، وإنما المحظور العملُ به, كما لا يحرم أن يخبر الإنسان غيره بكيفية صناعة الخمر وإن حَرُمَ عصرُها وبيعُها وغير ذلك، وعلى فرض حرمة تعلُّمه وتعليمه في شريعتنا لا يلزم من ذلك حرمته في جميع الشرائع، وعلى فرض أنه حرام في جميع الشرائع فلا يلزم ذلك في حق الملائكة؛ فإن القتل حرام في كل الشرائع، وهذا ملك [١٤٩] الموت يقبض نفوس الخلق أجمعين والأنبياءِ والمرسلين، وإن فرضنا أن تعلُّمَه كفر فلا يلزم من تعليمه مع كراهيته وبغضه والزجر عنه الكفر, فلو أن جماعة من المشركين جعلوا مالًا عظيما لمن يسجد لصنم فجاء رجل يريد السجود له وكان هناك مسلم فسأله هذا عن الصنم فزجره هذا ووعظه ونهاه فأصرَّ فأشار له إلى الصنم= لم يظهر من هذا كفر المشير, بل إن السائل لما أصرَّ على عمل الكفرِ صار كافرًا وإن لم يسجد، فعلى هذا فلا فرق بينه وبين المشرك الأصلي إذا سأل مسلمًا عن الطريق إلى بيت الصنم فدلّه. هذا أقصى ما يُسْتَدَلُّ به لهذا القول، وفي بعضه نظر. والله أعلم.
وقيل: إن (ما) نافيةٌ، والباقي كما مرّ. والمعنى: أنه لم يكن سليمان ساحرًا, ولم ينزل الله تعالى السحرَ على الملكين, فإن السحر أَخسُّ من ذلك، أي وإنما عَلِمه الملكان بطريق أرضيَّة وإن كان ذلك بإذن الله تعالى.