وذهب بعضهم إلى أن (ما) نافية, والمراد بالملكين رجلان صالحان هما هاروت وماروت، واستدلَّ بالقراءة الشاذة (الملِكين) بكسر اللام، والباقي نحو ما مرَّ.
وقال جماعة:(ما) نافية, والمراد بالملكين جبريل وميكائيل أو داود وسليمان. قالوا: وهاروت وماروت بدلٌ إمَّا من {الشَّيَاطِينَ} فهما اسما شيطانين أو قبيلتين من الشياطين، وإما من {النَّاسَ} فهما اسما رجلين، وعلى هذا فلا إشكال [١٥٠] من جهة أن تعلُّم السحر وتعليمه كفر أو حرام.
واعتُرِضَ على هذا القول بأنه كيف تقول الشياطين أو الكفار {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ}؟ وأجابوا بأنه لا مانع أن يأخذ الله تعالى على الشياطين هذا القول حتى لا يقدروا على التعليم بدون قوله، وكذا لا يمتنع أن يكون الإنسانان تأوَّلا جواز التعلُّم والتعليم واحتاطا بمنع التعليم حتى يقولا ذلك. ويُبْعِدُ هذا القولَ ما فيه من التعسُّف في تقدير الكلام.
وقد يؤخذ من بعض الآثار أن (ما) موصولة والمراد بالمُنَزَّل الاسمُ الأعظم، وعلى هذا فلا إشكال في جواز تعليمه وتعلُّمه وإن كان المتعلِّم قد يعمل بواسطته ما يكون كفرًا، كما يجوز أن تعطيَ مسلمًا مصحفًا وإن احتمل أن يكفر بإلقائه في نجاسة مثلًا، ويَرِدُ على هذا القول أن فيه كون الشياطين يَعْلَمون الاسم الأعظم ويُعَلِّمُونه، وهو كما ترى.
وقد أخرج ابن جرير وغيره عن عائشة أمِّ المؤمنين قالت: قدمت عليَّ امرأة من أهل دومة الجندل جاءت تبتغي رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بعد موته حداثة ذلك تسأله عن شيء دخلت فيه من أمر السحر ولم تعمل به،