بالراجح؟ فالخبر الموافق للإجماع أرجح، فوجب الأخذ به على كل حال.
الخامسة: إذا وجد دليل يناقض الخبر والإجماع ولم يحتمل أن يكون منسوخًا به، كما إذا كان الخبر الموافق للإجماع مؤرخًا بزمان، والدليل المناقض مؤرخ بما بعد ذلك الزمان. فهل يجوز الذهاب إلى ذلك الدليل؟
أقول مستعينًا بالله عز وجل: إن ثبت أنه قد ذهب إلى وفق الدليل المناقض مجتهد من أهل القرون الثلاثة الأولى فذهاب من بعدها إليه موكول إلى اجتهاده، وذلك أن ذهاب ذلك المجتهد من أهل القرون الأولى إلى ذلك خادش في الإجماع، أما في إجماع أهل عصره فواضح، لأنه منهم وهو مخالف، فكيف يقال: أجمعوا؟ وأما من قبله فالظاهر أنه لم يذهب إلى ما ذهب إليه إلا وقد عرف أنه لم يتقدمه إجماع تمتنع مخالفته، وأما من بعده فالذي تبين لي رجحانه أنه لا يُعتدُّ بالإجماع بعد سبق الخلاف المستقر.
وإن لم يثبت، فلا يجوز لمن بعدها الذهاب إليه؛ لأن ظاهر اتفاق الثلاثة القرون على خلاف ذلك الدليل يُوهنه جدًّا، ويتأكد ذلك بأمور:
[ص ٣٤] منها: أن الهمم قصرت، والمعرفة ضعفت، والدعاوى كثرت، والأهواء انتشرت، والتقوى خفَّت. فأصبح كثير من الناس يدَّعون العلم وهم قاصرون، فإن وجد راسخ لم يكد يَسلَم من هوى أو ضعف ورعٍ.
فإن وُجد مخلصٌ ورعٌ فهو نفسه يتردد فيما عسى أن يظهر له من دليل يدل على قولٍ المنقولُ عن أهل القرون الأولى خلافه، ولم يظفر بنقل عن واحد منهم يستند إليه، وذلك أن هذا المعنى يشككه في دليله، فيقول: لعلي غلطت في ظن صحة هذا الخبر وفي ظن أن هذه العبارة تدل على كذا؛ فإنه