للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ليس له من معرفة الحديث ورواته ما كان لأئمة السلف، وليس له من الذوق العربي ما كان لهم.

فإن فرضنا أنه قَوِيَ في نفسه ما ظهر له، فإن غيره من أهل العلم لا يوافقونه على ذلك، ويرون في فتح هذا الباب مفسدةً عظمى؛ فإن المنتحلين للعلم بلا رسوخ ولا ورعٍ كثيرٌ، فيأخذ كل منهم يتخوض في الدين، ولا يتمكن أهل العلم من إفحامهم بالمناظرة؛ لأن المناظرة إنما تفيد مع الإنصاف، ولا يرجى ذلك من المتخوضين.

نعم، قد كان في عهد السلف جماعة من علماء السوء، ولكن كانوا مقهورين، وكان العامة يعرفون علماء الحق؛ لقرب العهد بالسراج المنير - صلى الله عليه وآله وسلم - وأصحابه، فكان إذا قام رجل يدعي العلم والمعرفة فزع العامة إلى من عرفوه من علماء الحق فيكفيه أن يقول للعامة: ذاك رجل مبتدع، أو لا يوثق بعلمه، أو نحو ذلك.

وأما في الأزمنة المتأخرة فإن الحال تغيَّر، بل انعكس، فصار الملوك والأمراء والعامة يرون العالم هو من يوسِّع عليهم، ويوافق أهواءهم.

فلهذا عظَّم العلماء شأن الإجماع، حتى [إذا] نبغ نابغ من أولئك المتخوضين كفى أن يقال له وللناس: هذا خرق للإجماع.

ولهذا ــ والله أعلم ــ قال جماعة: إن باب الاجتهاد قد انسدَّ، وقال ابن الصلاح (١): إن التصحيح والتحسين للأحاديث قد انتهى.


(١) في "علوم الحديث" (ص ١٣). وردَّ عليه آخرون، انظر "فتح المغيث" (١/ ٥٠، ٥١) و"تدريب الراوي" (١/ ١٤٣ وما بعدها).